- 2009/10/19
- أسرة ومجتمع
- الزيارات: 4٬225
- أضف تعليقا
التربية بالقدوة.. وسيلة بناء تحتاج إلى دعائم
تعتبر التربية بالقدوة من أهم الطرق وأجداها في ترسيخ المبادئ والأخلاق. فمشاهدة الطفل للراشدين من حوله يمارسون نفس السلوك المطلوب منه، تبعد عن ذهنه، بنسب مختلفة حسب كل شخصية على حدة، فكرة “الاستعباد” أو استغلال الكبير للصغير واستعمال صلاحية الأمر والنهي ضده. ناهيك عن مرحلة التقليد التي يمر منها الطفل ابتداء من شهره التاسع والتي يحاول خلالها إعادة تمثيل كل ما يشاهده، خصوصا من طرف والديه، وعموما من كل من حوله من بالغين، دون الاكتراث للسبب ودون إدراك للمقصد.
لكن للأسف، لا يلقي الراشدون في عمومهم بالا للموضوع، وإن اهتموا سقطت فئة ليست بالضئيلة في التصنع (إن لم نسمه النفاق) فيحاولون ألا يظهروا أمام الصغار بشكل غير لائق. حل بديل، في انتظار إصلاح تلك الخصلة، لكنه بالتأكيد سيضع صاحبه في مواقف محرجة، لأنه لا بد وأن ينسى تصنعه ويتعامل بعفوية فيخطئ أمام الصغير الذي لم يتلق بعد حقنة مضادة لإحراج الآخر فيجد الأسئلة تتهاطل، من قبيل: لماذا قلت ألا أفعل كذا وها أنت قمت به؟ وغيرها إلى أن يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه.
الأخطر من ذلك، أن نحاول تربية أبنائنا على مفهوم الحق والواجب (الذي هو أساس التربية في نظري والحقل الأساسي الذي تشتغل عليه) معتمدين على هذا النوع من التربية (التربية بالقدوة)، وفي المقابل نجد راشدين، ممن يدعون للأسف أنهم حقوقيون، يخرقون هذه المبادئ بشكل يخلق رجة قوية وزلزالا في أفكار ذلك القاصر الذي لم يستوعب بعد المفهوم.
سأعطي مثالا لأقرب الصورة أكثر ولنتأمل ما بلي:
“1. تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين.
2. تحترم الدول الأطراف حقوق وواجبات الوالدين وكذلك، تبعا للحالة، الأوصياء القانونيين عليه، في توجيه الطفل في ممارسة حقه بطريقة تنسجم مع قدرات الطفل المتطورة.
3. لا يجوز أن يخضع الإجهار بالدين أو المعتقدات إلا للقيود التي ينص عليها القانون واللازمة لحماية السلامة العامة أو النظام أو الصحة أو الآداب العامة أو الحقوق والحريات الأساسية للآخرين.”
المادة 14 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/25 المؤرخ في 20 نونبر 1989 وشرع في تنفيذها في 02 شتنبر 1990.
لن أتطرق للنقطتين الأوليين، حتى لا أشعب الفكرة، وسأكتفي بالنقطة الثالثة لأنها في صميم الموضوع، بل هي السبب الرئيسي في كتابة هذه الأسطر.
أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ هذه النقطة، خلال تحضيري لنشاط تربوي حقوقي للأطفال، موقف المجموعة التي أرادت (وقد فعلت بشكل من الأشكال) الإجهار بحقها في الإفطار في رمضان، ثم تذكرت المجموعة التي تدافع عن حقوق الشواذ… الخ
هؤلاء الأشخاص، الذين يتحدثون عن الحقوق يخرقون أهم الاتفاقيات والمواثيق التي يعتمدون عليها في طلباتهم، لأن ما يريدونه يعارض الآداب العامة التي يحفظها القانون للمجتمع. فيتضح أنه لا علم لهم ولا دراية بالمجال، كمن يقرأ من سورة الماعون: ” فويل للمصلين” ولا يكمل باقي الكلام الذي يوضح صفات هؤلاء المصلين. وها هم يخرقون ما نطلب من الطفل القيام به. بل كيف يمكن التدريب على ما أسميه مفهوم “حر.. ولكن” بوجود هذه النماذج؟؟!!
الخطير في الأمر، وجود مخلوق اسمه وسائل الإعلام، ينقل صورة المتظاهرين والمحتجين واعتصامهم، وينقل حوارات مع بعض متزعميهم الذين يختارون من العبارات ما تجعل منهم خرفانا مساكين مبخوسي الحقوق، فيختلط الأمر على الطفل، لأنه اعتاد على مشاهدة المظاهرات المنظمة من طرف المعطلين والمكفوفين وأصحاب قضايا عادلة، وشاهدوا ردود فعل المسؤولين بل ورجال الأمن في بعض الحالات… فتتشابه الصور وتبدو قضيتهم (بمقارنة بسيطة يقوم بها الطفل) عادلة أيضا (وحتى لا يفهم من كلامي أنني ضد وسائل الإعلام التي تنقل مثل هذه الأحداث بطريقة موضوعية، أشير إلى أن الأسرة هي التي تتحمل بالأساس تأطير علاقة الطفل بالإعلام). وبعد هذا الاستنتاج الخاطئ، يبدأ التطبيق الخاطئ للحقوق، فتجد الطفل، على سبيل المثال يرفع صوته على والديه أولا يعير مدرسيه اهتماما ويتحدث مع أقرانه بدعوى ممارسة حقه في التعبير عن افكاره أينما، كيفما وأيان ما شاء. والأمثلة كثيرة عن الاستعمال غير السليم للحقوق.
ولا يحس بهذا المشكل بشكل دقيق إلا الآباء وأولياء الأمور والتربويون الذين تحت عهدتهم أطفال من مدرسين ومدربي مخيمات…الخ الذين يعانون الأمرين (بفتح الميم وتضعيف الراء المفتوحة) في بناء المفاهيم فما بالكم بتغيير الخاطئة منها (طبعا أقصد منهم من يحمل هم القضية، ويحاول ما أمكن، كل من جهة تدخله، أن يساهم في النهوض بالقطاع، وليس الذي آمن بفكرة المؤامرة وعلق المسؤولية كلها على مشجب الدولة أو الحكومة التي تتحمل قسطا مهما منها أيضا).
أتمنى أن يأخذ هذا النوع من التربية حقه من الاهتمام، وأن يتعمق “الحقوقيون” أكثر في مجالهم، وأن نعيد النظر في سلوكاتنا الفردية من أجل تطبيق راق لهذه الوسيلة.
قد لا تكفي هذه الأسطر للإحاطة بالموضوع من كل جوانبه، لكن ما جاء فيها ما هو إلا مفتاح للتأمل في عالم التناقضات التي تشوب منظومتنا التربوية، ودعوة لبدء التفكير في حلول ناجعة لتقديم تربية حديثة تلائم معتقداتنا وهويتنا.
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.