- 2009/10/20
- قضايا وآراء
- الزيارات: 4٬553
- التعليقات: 9
ماذا لو قاطعونا؟؟
في كل مرة يتم الاعتداء فيها على الإسلام أو رموزه، تتعالى الأصوات بمطالبة حكومات الدولة المعتدية بالاعتذار (حتى وإن صدر الانتهاك من مؤسسة خاصة) ودعوة المسلمين إلى مقاطعة منتوجاتها.
لن أتحدث في هذه الأسطر عن دور المقاطعة كوسيلة ضغط إن أحسن استعمالها بشروط، ومساوئها إن سيء التخطيط لها، لكني سأحاول أن أوضح خطورة هذه العملية إن انقلب السحر على الساحر.
ماذا لو قرر الغرب، بسبب كثرة مطالباتنا بمقاطعة منتجاته، مقاطعتنا؟ ولا أقصد بمقاطعته عدم استعمال منتجاتنا (إن وجدت أصلا) بل أن يرفض مدنا بما نستورده منه. لا طائرات، لا قطارات، لا هواتف محمولة، لا حواسيب ولا ثلاجات… الخ (لم أذكر السيارات على اعتبار أن دولة إندونيسيا ولله الحمد تصنع نوعا من السيارات) كيف سيعيش العالم العربي والإسلامي؟؟ طبعا لن أقدم جوابا، ولكل واحد أن يتخيل من الصور ما شاء.
هذا السؤال ليس دعوة للتطبيع أو للتذلل والخضوع عند قدمي الغرب حتى لا تحرمنا ماما أمريكا وصديقاتها من خيرات صناعتها، وإنما دعوة للأنظمة العربية والإسلامية لإعادة النظر في مناهجها التربوية والتعليمية التي لا تهتم بالمواهب والتخصصات في وقت مبكر، ولا تقنن اختيار التخصص في المراحل العليا، وسأحاول أن أوضح ذلك عن طريق مثال آمل أن يقرب الصورة أكثر:
يدرس التلميذ في المؤسسة التعليمية مختلف المواد، وهذا أمر جيد جدا (إذا استثنينا الأخطاء التنظيمية) لأنه يحتاج إلى تشكيل قاعدة معرفية يستند عليها في حياته الدراسية واليومية، لكن للأسف لا يتم تقييم التلميذ من حيث رغباته ومواهبه وميولاته. بل إن المناهج الحالية تقتل التميز عن غير وعي. كيف ذلك؟ كثير منا كانت علاماته في المواد التي يعشقها عالية جدا، لكن علاماته العامة لم تكن بذلك الارتفاع بسبب مواد لم يكن يرتاح لها، أو بنكهة علمية، بسبب مواد لم يكن يتوفر على نوع الذكاء المرتبط بها (اقرإ المزيد عن الذكاءات المتعددة في ويكيبيديا الموسوعة الحرة)، لذا وجب التفكير بجدية في صيغة تعفي التلميذ، في مرحلة معينة، من المواد التي تؤثر على أدائه العام، وتدعم المواد التي يبرع فيها، ومن هنا نستطيع أن ننشئ أجيالا متخصصين، كل في مجال معين، لا أناسا يعرفون عن كل شيء لكن بمستوى لا يساعد على الإبداع والابتكار والاختراع. وفي انتظار التفكير في ذلك وأجرأته (طبعا إن تبين أن هذه الفكرة ناجعة وفعالة)، وجب الاهتمام أكثر بتوجيه الطلاب خاصة بعد إنهاء المرحلة الثانوية، فكم من طالب ضحى بسنوات من عمره ليغير مجال دراسته بعدما تبين له أنه لم يحسن الاختيار أو أن إرضاءه لوالديه اللذين أراداه أن يتخصص في ذلك المجال لم يكن في محله، ويعلق الدكتور طارق السويدان على هذه النقطة الأخيرة قائلا: “هذا ليس من بر الوالدين، بر الوالدين يكون فيما يتعلق بهما، وليس فيما يتعلق بك أنت” عبارة قالها في إحدى تكاوينه بأكاديمية إعداد القادة بتركيا 2008 بخصوص اختيار التخصص.
وحتى لا يقول قائل إنني أحمل كل المسؤولية للحكومات، أقول إن دعوتي هذه الأخيرة لإعادة النظر في مناهجها، التي تحتوي أيضا على إيجابيات، هي إلى جانب دعوتي للمجتمع المدني، وخصوصا الآباء والأمهات وأولياء الأمور وبعدهم الجمعيات المهتمة بتربية الطفولة وتكوين الشباب لأن يهتموا أكثر بالنشء الذي تحت عهدتهم وأن يربوه على حرية الاختيار لا أن يوجهوه وفق رغباتهم وميولاتهم، وألا يقتلوا الإبداع فيهم بعبارات التثبيط والاستهزاء بالقدرات، وأيضا إلى جانب دعوتي كل الشباب الطموح لألا يرضخ ويستجيب لعبارات التيئيس من حوله إن وجدت، ولعل التجربة التي مر منها المخترع السعودي الشاب مهند أبو دية محفز لكل الشباب لمواصلة العمل والعزم على بلوغ أعلى المراتب.
كانت هذه دعوة إلى المشاركة في حلم يعمل قلة بجهد من أجل تحقيقه، كل من مجاله، وينتظرون انضمام آخرين لتسريع الخطى للوصول إلى عالم عربي وإسلامي منتج.
التعليقات: 9
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
من خلال قراءتي للعنوان اعتقدت أن الموضوع سيفصل في مسألة مقاطعة المنتوجات الغربية، لكنه استغل المسألة كتمهيد جميل ليدخل في موضوع جد مهم فعلا..
باعتباري مدرسا ومن خلال تجربتي المتواضعة أرى أن الحل الذي اقترحته أخي خالد ممتاز، فقد عبرت عن الجوهر بقولك:
” ومن هنا نستطيع أن ننشئ أجيالا متخصصين، كل في مجال معين، لا أناسا يعرفون عن كل شيء لكن بمستوى لا يساعد على الإبداع والابتكار والاختراع.”
وقد صدقت في ذلك، فبذلك سنتمكن من أن نخلق جيلا يبدع، والإبداع برأيي وكما أعتقد دوما هو أفضل حل لكي نقاطع من قد يتجرأ ويمس قيمنا ومعتقداتنا، لكن في ظل عجز كامل تقريبا، يصبح الخوف فعلا من أن ينقلب السحر على الساحر كما قلت أخي خالد..
حلم جميل نرجو أن يتحقق قريبا..
أشكرك على مقالك الموفق..
مني لك أرق تحية..
وعليكم السلام ورحمة الله والبركات
أهلا وسهلا بك أخي الكريم في موضوعي المتواضع، ويسرني أن يكون قبول الفكرة واستحسانها ميزة أول تعليق على الموضوع (من قبيل رفع المعنويات ^_^).
بالنسبة للتساؤل الذي بدأت به الموضوع – من باب حفظ الافكار لأصحابها – فقد أثاره الأستاذ أحمد الشقيري في إحدى حلقات برنامج خواطر 3، وهو السبب في محاولتي التفكير في مساهمة للخروج من تلك الأزمة.
وخوفنا من أن ينقلب السحر على الساحر سبب قوي لنعالج الأمر، كما أن الريادة تتطلب بدء التغيير من الداخل، وكلما كان هذا الأخير قويا كلما أثر إيجابا على العلاقات الخارجية التي يسود عليها التقدير والاحترام وليس الاستعباد والتبعية.
أما بالنسبة للتحقق، فأكيد أنه لن يحصل بين عشية وضحاها، لكن على الأقل أن نبدأ خطوة تغيير الأنفس وإعادة برمجة ذواتنا حتى يتحقق شرط المساعدة في قوله تعالى:”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد من الآية 11)
يسرني تواجدك أخي الكريم ولك مني أجمل تحية
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الموضوع جيد جدا ولا كن المشكلة هي متى سنكون جيل يبدع ويخترع ويبتكر ونحن نغش في كل شيء نغش في الامتحانات نغش في شواهد نغش في المعمل نغش في الإنتاج نغش في كل شيء فالغش صار في دمنا في بيوتنا مع أهلنا فكل ما هو محيط بنا حتى وان كنت لا تغش سيصفونك بالمتخلف لان الغش عندنا هو الحضارة.او سيطردونك من العمل لأنك لا تواكب العصر فنحن شعب بارع في الغش والرشوة وكل ما هو فاسد.في إحدى سنوات صرخة إحدى الدول بمقاطعة المنتوج المغربي الذي يتمثل في (كليمنتين) لأنهم وجدوا نصف إبرة الحقنة في داخل (كلمنتين) فلما وقع البحث وجدوا أن المغاربة يحلون المندارين بالسكر قيل تصديره. والسؤال المطروح هو متى سنصير شعب لا يغش. حتى نكون منتجين. ومبتكرون وبارعون
أهلا أخي الكريم kjijo
في البداية، أود أ، أشير أن المقال هو عن كل العالم العربي، والمشكلة لا تخص المغرب دون غيره من البلدان العربية. وبما أنك استعملت كلمة “نحن” بمعنى أنك أيضا مشارك (وكلنا مشارك في المشكلة بنسب متفاوتة) الخطوة الأولى أن نبدأ بالتغيير من أنفسنا دون الالتفات لما يقوله الآخرون، فإذا حاربت الغش في نفسي وفعلت أنت نفس الشيء شكلنا قوة تحارب الغش، وهكذا حتى ترقى بالجانب الأخلاقي فينا. بالموازاة مع ذلك، نقوم بإصلاحات في المنظومة التربوية والتعليمية، وسنجني الثمر بالتأكيد..
طبعا يلزمنا من الوقت الكثير، وقد لا نعيش لنرى النتيجة، لكن المهم أن نؤسس للعملية، ونترك الباقي للاحقين.
أشكر تواجدك، ولك مني التحية
أهلا أخي خالد
موضوع جد شيق و مهم.
بالنسبة لي أحييك على مجهودك كي تقدم لنا هذه المواضيع بشكل ممتع .
دمت بخير ولك مني الف تحية
السلام اخي خالد اريدك ان تعلم بان هذا الامر قد يكون من المستحيلات ربما تسالني لماذا : ساجيبك لاننا نعتبر كدول عربية واسلامية سوق مهمة عندهم ولعل المقاطعة الاخيرة لبعض المنتجات اتبتث ذلك + ثم لاننا شعوب تستهلك ولا تسال عن ماذا تستهلك وهذا امر مهم بالنسبة لها
أول الغيث قطرة.
أهلا بك أخي مراد. إذا قلت من المستحيلات فلم تنشد الحياة؟؟ تمن الموت وسيكون ذلك أفضل من أن تبقى مكتوف الأيدي بلا أمل، وبلا عمل أيضا من أجل تحقيق هذا الأمل.
اقتراحي هو صعب بالتأكيد لكنه ليس أبدا مستحيلا.
هل تقصد نفسك بأنك تستهلك ولا تسأل ماذا تستهلك؟ إذن لتكن خطوتك الأولى تغيير قناعاتك والبدء بالعمل. أم تقصد غيرك وأنت عكس ذلك؟ جميل .. واعلم أن هناك قلة أخرى مثلك تسأل قبل أن تستهلك وتحاول أن تكون نجما من النجوم التي سيهتدي بها مستقبلا عالمنا الإسلامي، وإن شاء الله سوف تلتقي بأمثالك أصحاب الفكر النير.
أما بالنسبة لفكرة أننا سوق مهمة للغرب، فأنا أقول لك ما قال المناضل مارثن لوثر كنغ أنه لا يمكن أن أركب على ظهرك إلا إذا انحنيت لي. لندع ظهورنا منتصبة ولن يركبها أحد، وإذا ما أخطأنا وانحنينا فلا زال الأمر بأيدينا. فقد محاولة الاستقامة مع بعض الإصرار سنسقط ما على ظهورنا.
عش بالأمل، عش بالحب، عش بالإيمان
وقدر قيمة الحياة (مقولة يختم بها د ابراهيم الفقي بعض كتاباته)
مقالك أخي في غاية الروعة، مقال فيه الإبداع المفقود في مدارسنا
تحدثت عن المسكوت عنه أو اللامفكرفيه… صحيح ماذا لو قاطعونا هم ؟؟
المشكلة ليست عندهم يا أخي… المشكلة عندنا نحن
إنها القابيلية للاستعمار التي ذكرها أستاذنا مالك بن نبي
دمت مبدعا ورزقنا الله وإياك لذة الفهم، و حسن العمل
تلك هي، أستاذ جمال.. القابلية للاستعمار
من رحمة الله بنا أنه لم يشغلهم بنا، وإلا لاستعبدوا أغلبنا..
تبقى المشكلة الكبيرة هي الآذان الصماء التي لا تستمع إلى الاقتراحات.. لم يبق إلا أن ننتظر موتها عل الوضع يتغير..
شكرا على مرورك الطيب
لإي أمان الله