- 2010/05/11
- خاطرة
- الزيارات: 4٬450
- التعليقات: 5
الأحبـــة… ألـــم وأمـــــل
في سجل ذاكرتنا بصمات لحظات عديدة، منها ما يطوى ولا يروى وقليلها بمثابة نجوم معدودة على صفحاتها، تضيئ جنباتها بصفاء اشعاعها، نستأنس بذكراها وتشفي الغليل بفحواها، تاج تحمله الأيام الخوالي، خطت بمداد من دم ويجدد بذكرها العزم وتحشد بسماعها الهمة ولن تنس مهما طال الزمان واندثر العمر.
لا ذوق لتلك اللحظات دون ذكر أشخاص بعينهم، يزيدون بهاءها وجمالها، إخوانا لم تلدهم أمهاتن ، أخذوا من العلم أحسنه ومن الأدب أتقنه، أصلهم من أرض خصبة طيبة مباركة، حلو كلماتهم تنساب إلى القلوب بلا استئذان، ليسوا من هواة الشهرة ولا من طلاب المناصب وكأني بلسان حالهم يقول “الحياة هي أكثر بكثير من أن نحقق الفوز لأنفسنا” لك في قلوبهم مكانة ومن دعائهم نصيب يتحدون الظروف في وقت الحاجة للوقوف بجانبك، برمجوا قلوبهم على النبض للآخرين فأسروا بذلك القلوب، يجعلون صمتك يتكلم وجراح الزمن بلقاهم تلتئم، تلوذ بهم في كل وقت وحين طلبا للاستئناس، ابتسامتهم تنطلق كبلسم شاف تاركة وقعها في الفؤاد، رسالتهم تمر بحالهم قبل مقالهم مع سمت قل له نظير، وجدتهم ككتاب مفتوح بفهرس واضحة معالمه، فكل صفحاته إن خلت من حكمة زادتك خبرة، أينما وجد فعل الخير وجدت أثرهم، لا يتركون إلا وقع همساتهم، معهم تذوب ثقافة الأسرار، همهم عظيم وما أعظمه من هم؛ لو وجد بين ثنايا جوانح حكامنا اليوم لكفانا بهم فخرا وأنَى لهم ذلك؟؟ الحب في قاموسهم تسامى عن كل تعريف يذكر، يعيدون عيش حياة الأبطال بداخلهم، سهامهم لا تخطئ الهدف لأن جل أهدافهم سامية …..
صفات ذكرتها ليست لواحد بل مفرقة كالأرزاق بينهم، أبت إلا أن تكتمل باجتماعهم معلنة أن الأرواح جنود مجندة ينادي بعضها بعضا ليكتمل القالب وتسير القافلة مع سير السحاب رغم نبح الكلاب، لكن هل دوام الحال من المحال؟؟؟
لم نضع احتمالات الفراق يوما ما ولا جال ذكرها في سويداء ذاكرتنا، ربما سعادة اللحظات أنستنا التفكير فيها، لكن بعد حين قدنا جبرا إلى اليقين والذي هو أيضا له يقين أن سنة الحياة تجري غير رغبتنا واختيارنا، هو قطار له محطات وكلنا له محطة نازل فيها دون إذن مسبق، وأثبتنا أن الأيام دول والليالي حبالى ولا بد من فراق قد كتب، والخلاصة كانت جوابا كافيا شافيا قبلناه على مضض “أن دوام الحال من المحال”.
منهم من رافقناه في لحظاته الأخيرة في سفره إلى بلاد غريبة، لم تكن في الحسبان ولم تخطر يوما على بال، نحتضنه بشدة لعلنا نحتفظ بشئ من رائحته لنستأنس بها ولو للحظات بعد فراقه، دموع تلتقي في الهواء الطلق تعانق بعضها البعض، كل الذكريات الجميلة تمر أمام عينيك على شكل شريط مدبلج أخد من اللحظات أحسنها ومن الأوقات أعذبها، يزيد كرهك للحظات الوداع حينها ثم يهمس في أذنك ليكفكف دمعك وليخفف عنك ولو قليلا من لوعة الفراق بقوله “ليس الحب أن تبقى بجانب من تحب ولكن الحب أن تبقى في قلب من تحب” حتى في الأوقات الحرجة يظل ثباتهم حاملا لواءه، ويضمدون كيانك بكلماتهم الطيبة ويجعلونها حية تتردد في مسامعك في كل وقت وحين ثم نفترق على أمل اللقاء في مقام خير من سابقه، ويبق الأمل وتستمر الحياة.
لكن أمرها أن ترافق آخر في لحظاته الأخيرة في سفره إلى حياة أخرى، إلى أصدقاء جدد تاركا الجمل بما حمل، هو سفر لم يقع اختياره عن طيب خاطر لكنه سطر من طرف حكيم خبير، هي محطة أشد من سابقتها، أمل يبقى معلقا هل من لقاء أم هناك سيزداد ألم الفراق لأنه ليس بعده لقاء، ليت وداعه كان كالذي مضى وليت الدموع سالت بأمل.
ما أعظمه من موقف وما أشده على الفؤاد، جلسة وداع غريبة، روح أعلنت مغادرتها بدون الجسد، حدد موعد الاجتماع بينهما خلسة وتم السفر، تنظر إليه وتناديه ونداء الحق يناديك “فاذا جآء آجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون”، هو من كان بالأمس القريب له حلم، له طموح، يحدثك عن هدفه في الحياة يقاسمك ألم وفرح اللحظات، هو من كان يشيع كل جنازة صادفها بالمسجد حيث أدى الفريضة ولكن اليوم هو من سيشيع إلى مسكن جديد، نعم سيترحم عليه الفقير المحتاج الذي كان يطعمه من ابتسامته المعهودة ومن سلامه الحار ومن سخائه وعطائه له، والجار الذي أنس بقربه ومجالسته وتوجيه أبناءه الصغار، لست الوحيد من سيفقده فحتى هرته ستذوق ألم الفراق بعد هذا اليوم وهي التي كانت تنتظره في المنزل كل يوم على أحر من الجمر ليداعبها بلغتها وتنام مطمئنة البال في مكانها بالقرب منه، ولا شك أن المسجد هو بذاته سيحزن لفقده لأنه يعرفه أشد المعرفة، كيف لا وهو من كان يحرص على نظافته ويؤنسه في صلاة الفجر لقلة عدد الوافدين عليه واليوم سيدخل عليه محمولا من غير باب المصلين ولن يصلي بل سيصلى عليه، ولن يكلف أبويه عناء الفراق وشدة البكاء لأنه فقدهما منذ زمان في حادثة سير، فعاش يتيما يحب الأيتام ويهوى البحث عنهم ليفوز بالمسح على رؤوسهم وترقيع ثوبهم من ثيابه معلنا أنه واحد منهم، أستحضر كل هذا وأنا أنظر إليه بدمع غزير مرفوق بالدعاء فقبلت رأسه ووليت خارجا أقول “هنيئا لمن بات والناس يدعون له ويا بشرى لمن أحبته القلوب وبكت لفقده الجموع”.
وحتى لا يقع النسيان نقشت أسماءهم على جدران قلبي وكتبت عبارة من خليط بين الدمع والدم في ذاكرتي “فراق الأحبة فراقان وأحلاهما مر” كي أستمتع بلحظات مع من لازال حولي وقبل أن يباغتني الفراق وأصير ضحية للندم على كل هفوة صدرت مني.
شكرا لكل الوجوه النيرة التي علمتني أن أبتسم..
شكرا لكل القلوب العفيفة التي لقنتني مبادئ الحياة..
شكرا للعقول الراقية التي أكسبتني مهارة خط الكلام..
شكرا لكل بارقة أمل زرعت في قلبي حب التفاؤل في زمن الفتن..
لكم أنتم… نعم أنتم أهدي كلامي، ولازلت أتعلم منكم وأنقل ثمرتكم لغيري لعلهم يذكرونني بخير بعد موتي.
التعليقات: 5
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
ماشاءالله،
كلمات ومشاعر جميلة وجميل انك أبحت بها،
ذكرتني بعبارة أرددها دوما داخلي،
كل شيء يولد صغيراً إلاَّ اللقاء يولد كبيراً ويتقلص مع الأيام حتى يأتي موعد وداعاً ^_^
لنعلن امتنانا لجميع من كانو شُموعا لنا ونرفع ايادينا الى رب السماء ندعوا لأحبتنا بظهر الغيب وشكرا لكم..
أخي كنتُ هنا
كلام من الصعب أن يفهمه أي كان.
الأستاذ عمر اليونسي مقال من القلب والوجدان, و القلب سلطانه أقوى من سلطان الفكر والعقل, وكلما كان سلطان الاحساس ورهافة الوجدان مهيمنا على الادراك الفكري كلما كان الافق الفكري عاليا والتحليل عميقا.
هذا المقال الثاني ينبأ على قدرة في الكتابة ورصانة في سبك الحروف وبناء الكلمات وعمارة الالفاظ سر قدما ولنر جديدا ومكتوبا ثانيا وثالثا.
ووفقك المولى لكل خير
كلمات معبرة وحساسة .. سلمت الآيادي ..