- 2010/05/21
- قصة
- الزيارات: 2٬693
- تعليق واحد
اليتيم
كانت شمس الضحى قد ارتفعت حتى كادت تستوي في كبد السماء، والمدينة كلها تسبح في بحر من الحركة والنشاط، وها هو السوق الأسبوعي الممتلئ و أصوات الناس تمتزج مع نداء الباعة المغرية، فتشكل سيمفونية عذبة لا تزعج السمع. أما تلك البضائع المعروضة فتجذب النفس جذبا، والناس يجرون بقففهم المثقلة هنا وهناك.
ولا أحد يهتم بذلك اليتيم البائس، كان طفلا في ربيع عمره، متوسط القامة، كان محزونا كاسف البال، تبدو على وجهه الصغير وجبينه المقطب كآبة مظلمة، وتتوارى على نفسه حالة من البؤس والشقاء. وكان إلى ذلك مرقع الملابس التي لم تلبث أن كشفت عن صدره المتغير لونه، الذي يعلو ويهبط دون انقطاع. يمشي حافي القدمين على تلك الأرض الجرداء الملساء، التي تقع عليها أشعة الشمس الملتهبة فتلهب الأقدام. لكنه لم يكن يبالي بحرها وكأنه جسد بلا روح.
فانتهى إلى زاوية بقرب أحد المتاجر، ووضع أمامه ذلك الصندوق الخشبي وتلك المادة السوداء اللزجة، كان ينتظر شخصا ما ليضع حذائه فيلمعه تلميعا، ليحصل على ما يسد رمقه.
كان يرقى ببصره الحائر إلى السماء؛ لعل ذلك النجم المشع الذي لا ينطفئ يخبره عن مكان والديه.
و بينما هو كذلك إذا بيد خشنة صلبة كأنها من فولاذ؛ تهوي على عنقه بلطمة قوية، حتى تراقص ما كان حوله، وكان للطمة ألم معنوي أكثر من ألمها المادي. وبينما هو يفيق من هول الصدمة، كان صاحب المتجر يرمي بتلك الأغراض بعيدا ويقذف بكلمات بذيئة. فرمقه اليتيم بنظرة مبللة بالأسى، وقد تواترت على رأسه الحليق نوبات من شعور مؤلم و تزعزع كل ما تجذر في عقله من المبادئ التي تربى عليها، حتى أوشكت أن تنهدم فوقه، فنهض من مكانه و راح يجمع أغراضه ثم حملها وذهب بعيدا دون أن يدير وجهه ولكنه لم يملك دموعا غلاظ، وكأنها عقد لؤلؤ قد خانه النظام، التي تحدرت على خديه فغسلت كل الشوائب التي علقت به. تاركا و راءه أناسا لا يعرفون للرحمة و العطف لونا.
لكنه كان على يقين أن الحياة عبء يجب أن يتحمل، رضي الناس أم سخطوا.
تعليق واحد
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
قصة جميلة أختي الكريمة..