- 2012/07/28
- قصة
- الزيارات: 3٬998
- أضف تعليقا
في بلاط بائع الفواكه
كتب لي ذات يوم أن أقف على بلاط من لا يرتبط اسمه بتعابير المعالي أو الجلالة، كنت أجده مرابطا كل يوم على طريق سريع سيار، لا تسمع فيه سوى لغو وهدير المحركات المتتابعة والذي يتوقف بفواصل متلاحقة من الصمت. كان متقدم السن طويلا وأسمراً، لا تفارقه قبعة رياضية رمادية بالية يقي بها شر الحر وأشعة الشمس العربية المتوقدة التي تبدو كالقرص في لب السماء، وهو يرتدي قميصاً صيفياً متعدد الألوان، وسروالا بني باهتاً و نعلا تقليدياً جلدياً.
كنت أراه كل يوم وهو يجر عربيته الخشبية الثقيلة على طول الطريق إلى أن يجد مكانه المحبب والدائم إلى أن يستقر فيه، كانت عربته تضم بعض أصناف الفواكه وهي الليمون والبطيخ الأحمر والأصفر. فأما الليمون فكان يرصفه في قناني حسب أوزانه اختصاراً للوقت، وأما البطيخ فكان يرصفه الواحدة بعد الواحدة متراصفات متقاربات، كان ينتظر السيارات المسرعة إلى أن تتوقف إحداها فيبيعها منتوجه.
كان يضع أمامه قنينة ماء ويجلس على كرسي خشبي، يستمع صوت الطرقات. ثارة أراه يمسك الميزان يتفقده، يتفقد وحداته و ثارة أخرى يرتب ويرصف بضاعته. إلى أن وقفت سيارة فارهة ذات دفع رباعي وعجلات كبيرة، فاستمرت في التباطىء على أعتاب صاحبنا، فتحت النافذة وأخرج سائقها يده منها وكانت تظهر عليه مظاهر الثراء ثم أخد يلوح بيده يميناً ويساراً. أسرع صاحبنا مهرولا وتظهر عليه الابتسامة، لم تنل الشمس نشاطه ولم يتقل الانتظار حركته، طلب الزبون كميات كبيرة من الليمون الموضوع في القناني وأخد صاحبنا العنيد يرصفها في صندوق السيارة الخلفي واحدة بعد واحدة، وما إن أقفل الصندوق حتى أسرع زبونه بالرحيل.
تسمر بائع الفواكه في مكانه وشحب وجهه وكاد السقوط وعليه الحيرة، ألا يجب دفع الحساب هكذا كان يتساءل، ثم رأيت دموعه المتناترة واحدة بعد واحدة تسقط كأنها النيازك وأنا المراقب من بعيد، يكاد كبريائه يخفيها فأخرج منديله الأييض من جيب قميصه وأخد يمسح وجرحه مازال ينزف. عندها أيقنت أنني أرى شرف العمل الحلال في بلاط بائع الفواكه؟؟؟
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.