- 2010/04/01
- قصة
- الزيارات: 2٬955
- تعليق واحد
ملاذ من لا ملاذ له (الجزء الاول)
دخلت خائفا مذعورا من كثرة الإزدحام و الغوغاء اللامتناهي الذي يعم المكان، فسمعت صراخا خلفي فإذا هو منكر مبين؛ لصان يمارسان هواياتهما في النصب القسري و الاستلاء على كل من سولت له نفسه الركوب فوق هذا العجب المتحرك، الضحية هذه المرة كان شيخا؛ فلم يرحموه لعجزه و لا لكبر سنه، و لكن وجدوا فيه ضالتهم بما أن جيبه يحوي حمالة نقود بادية للعيان. حاولت استراق النظر الى تفاصيل الحدث بيد أنني تحسست أياد خفية تتسلل إلى جيوبي، فعدلت عن القرار و تزحزحت إلى الأمام اتقاءا لشرهم المستطير و حتى لا أكون الضحية القادمة.
عند مكان وقوف الحافلة ينزل الشيخ من الباب الخلفي متثاقلا كمن مر في ديوانة لم تبقي على فلس واحد مما يملك فيغادر بأقل الخسائر الممكنة… أما الذين أكرموا وفادته في الحافلة فيبدوا أنهم لم يقنعوا بالغنيمة وواصلوا زحفهم بحثا عن جيوب ممتلئة…
تقف الحافلة في موقف آخر، يصعد من يصعد و ينزل من ينزل. تطيل الحافلة من وقوفها فأرى الأعناق تشرئب إلى الأمام فسألت أحدهم فقال: إنه ‘الكنترول’…
عفوا؟ لا أدري ماذا كان يقصد بذلك غير أن إسم (الكنترول) يوحي إلي بالتفتيش، رأيت ورقة الركوب في يد أحدهم فتذكرت أنني لم أقطع تذكرتي فهرولت إلى الوراء لقطعها لكن الأوان قد فات.
يصعد ثلاث رجال غلاظ شداد يخترقون الحافلة طولا و عرضا بحثا عن فريسة لم تؤدي حقها فظننت أنني النموذج الأمثل و الفريسة الأسهل.
بعد مخاض عسير سلمت من قبضة المراقبين أخيرا، و اكتفوا بإنزالنا من على الحافلة فنزلنا ننتظر أخرى…
الناس تتقاطر على المكان و الوقت يمر ثقيلا و الشمس حارقة جعلت العديد يبحث عن ظل يستظل به ريثما يلوح في الأفق شبح أزرق يشبه الحافلة… الناس تزدحم و تنتظر كمن يتأهب لاستقبال حاج في المطار، لكن الحقيقة غير ذلك فقد سئموا الإنتظار و أرادوا الخلاص و لا بديل عن تلك الحافلة…
أخيرا تلوح إحداها في الأفق، فترى الناس تجعل هواتفها في محافظها و تهرول للقتال على موطا قدم في دهاليز الحافلة… تقترب الحافلة مؤشرة للوقوف فيتسابق إليها الجميع …لكن سائقها اختار أن يخذل الكل ولم تتوقف الحافلة… فلا يسعنا إلا النظر الى ذلك الشيء الغريب و هو يتحرك مخلفا وراءه عتمات من الدخان الكثيف… يتبعها الجميع بنظرات أخفق في تشفير مراميها…
عدت إلى المكان المعتاد أنتظر، فلمحت أن بعض من نفذ صبره و اقترب أجله اختار أن يستقيل سيارة أجرة و يضحي بخمسة دراهم لا شك في أنه سيرثيها في طريقه، أما أنا فلا أزال أنتظر…
هاهي ذي حافلة أخرى قادمة بعد أن هممت بالانصراف، أصعد أخيرا و أحشر نفسي مع زمرة الصاعدين وتسير بنا الحافلة ببطء شديد كأنها محملة بجلاميد من الحديد … كانت أشبه بفرن قديم نتصبب داخله عرقا و روائح من كل الأصناف تلف المكان و أنواع من البشر – بين الحمقى و السكارى و الطلبة و المستخدمين – يتزاحمون بشكل رهيب فعلمت أن هذه الحافلة ليست ككل الحافلات التي عهدتها.
كذلك كنت أفكر و أنا أستقيل هذه الحافلة لأول مرة في حياتي و علمت حينها أن هذا الشيء الذي أنا على متنه إنما هو مكان تناقضات و منبع تساؤلات و ملجا كل من يريد امتهان السرقة …
أصل الى المكان المقصود وأذهب في اتجاه الأمام منهكا ثم أنزل اخيرا .. استدرت فرأيت طالبا فاستفسرته عما شاهدته من أمر هذه الحافلة فاكتفى بقوله : إنه “الفانتيان”.
تملكني الفضول و أردت معرفة كم من الوقت استغرق هذا “الفانتيان” للوصول الى الكلية فوضعت يدي أتحسس هاتفي المحمول فلم أجده… فعلمت كل شيء..
تعليق واحد
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
قصة جميلة وفقك الله