- 2010/10/10
- قصة
- الزيارات: 3٬254
- التعليقات: 3
أنقـــــــذونــــــا……
في اليوم الموعود تقاطر سكان المدينة منذ ساعات الفجر إلى الميدان الشهير. ولقد اكتسب الميدان شهرته لكثرة ما ظهر على شاشات التلفاز بسبب اجتياحات الدبابات والعسكر له. كانت المناسبة افتتاح برج المجرة الأول، كما أعلن في الليلة السابقة الرئيس- رئيس البلدية حتى لا يحدث لبس ونقع في المحظور-. فلقد احتل بجثته الضئيلة ووجهه الأبيض ناصع البياض شاشة التلفاز وكأنه سيعلن عن مسحوق غسيل جديد. كان ذقنه حليقاً كعادته، ووجهه عابسا كعادته أيضاً. حرك كفيه الناعمتين كالمناديل الورقية، وفتح فاه معلناً بصوت رفيع:
“تم بحمد الله الانتهاء من الأعمال النهائية لبرج المجرة الأول . ولقد تم تأجير وإشغال كافة طوابق ومساحات البرج من قبل المستثمرين. وسيتم افتتاحه بحضورنا غداً وبهذه المناسبة ندعو الجميع للمشاركة ونزف لأهل مدينتنا الغراء انطلاق المرحلة الثانية من أبراج المجرة والتي ستشكل المركز الرئيس لاقتصادنا الحر المتعاظم”.
وكما ظهر الرئيس فجأة غاب بوجهه العابس وجسمه الضئيل فجأة. فنقل ابنائي مفتاح التلفاز إلى محطة “Space Toon”.
برزت شمس تموز بأشعتها اللاهبة كسياط جهنم معلنة بدء يوم “باربكيو” جديد. وأخذ العرق يسح من أجساد الجمهور الصامت…! المنتظر. كان العرق ينداح من الذقون، والآذان، والأنوف، وخصلات شعر الصبايا اللواتي أتلفت تسريحتهن، أثبت الجمهور بأنه على أهبة الاستعداد لتحدي التعب ومقلى جهنم ودموع العرق المتساقطة في انتظار سيد المدينة. وانتصر الجمهور على نفسه في الصبر وقوة الانتظار، وسجل رقماً قياسيا في الجلد والتحمل حتى ظننت بأنه سيدخل كتاب “جيينس” للأرقام الخيالية- وبينما الشمس تكاد تنهي رحلتها على مذبح الغروب ضج الفضاء بأبواق الدراجات النارية وصافرات السيارات وصرخ أحدهم:
“لقد حضر الرئيس..! يعيش… يعيش….!”
همهم الجمهور بأصوات مضمخة برذاذ العرق كلمات أرادها أن تكون (يعيش…يعيش…) لكنه شرق في حرفين . فتح الجمهور المرصوص طريقا واسعة للرئيس إلا أنه فضل مغادرة السيارة عند المقدمة. وقف بوجهه العابس في المقدمة وقال بصوته الرفيع الحاد كالعادة:
“هيا بنا”.
سار باتجاه الشمال وسار الجمهور مقتفياً خطواته. كنا نتدافع خلفه، ويتعثر بعضنا بالبعض الآخر فتصدح الألسن بالشتائم وتمتط الشفاه بالتأفف. كان الرئيس يسير واثق الخطى، دون أن يلتفت يميناً أو يسارا، ولا إلى محدثيه من الحاشية، وكنا نهرول خلفه.
أخيراً وصلنا إلى الهدف، برج المجرة الأغر. قام الرئيس بقص شريط الافتتاح دون أن يتفوه بكلمة أو يكلف نفسه النظر إلى الطفلة التي تحمل باقة الورد. دخل الرئيس الطابق الأرضي وانطلقنا خلفه. ثم صعد إلى الطابق الثاني ونحن خلفه. وهكذا إلى الطابق الثالث والرابع… و….والأخير وأمسينا جميعاً على السطح. وقف الرئيس مراكماً عبوساً جديداً على عبوسه. رفع رأسه باتجاه الفضاء وانتفخت أوداجه بالصراخ (أنقذونا) اندفعت الدموع من أعيننا وتصبب العرق من أجسادنا فرفعنا وجوهنا إلى الفضاء مقتدين ونحن نصرخ بصوت واحد:
“أنقـــــــذونــــــااااااا”
تنويه للأجهزة الأمنية:
– كاتب هذا النص مدمن جلطات قلبية وأوردة دموية، ويعاني من السكري وارتفاع الضغط والقلب.
– عنوانه: مستشفى الأمراض المزمنة/قسم القلب.
محمد حسان – رام الله
أيلول /2010
التعليقات: 3
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
عندما تحين كتابة الكلمة فلا بد لها ان تكتتب وكما قال الشاعر شهوتي فاكهة لا توجل فإن كلمات المبدع ايضا رسومات لا توجل.
تكتب با صديقي حسان باسلوب واضح ولديك مخزون لغوي لا باس به. الصورة في القصة من اجمل ما يكون.
اكتب واكتب واكتب دوما، بصدق تروق لي قصصك الممتعة انصحك بادخال الفلسفة وتوضيح الحبكة اكثر في القصه. اعط لمخيلتك اسلوبهاز لا تتردد في الوقوف على حافة الجنون ففي تلك المسافة الضيئلة جدا على الطرف الاخر والمقسومة بالشعيرة هناك الابداع الحقيقي.
تعليقي
تلك القصة احبتبها وفقط … وكتبت بجوارها خاطرة بعنوان حزين.. صادقتها من فرط شوقي بها .. وكتبت في السطر الاخير عشقتها وفقط.. نقط … نقط.. نقط (لا يمكن ان يتطور ويستقيم المجتمع الا من المبدعين)
هناك مقطع من قصيدة جميلة تقول
يغتالني النقاد احيانا … يريدون القصة ذاتها والاستعارة ذاتها… فاذا مشيت على طريق جانبي شاردا .. قالوا لقد خان الطريق .. وان عثرت على بلاغة عشبة .. قالوا تخلى عن عروق السنديان .. وان هتفت الورد اصفر في الربيع.. قالو اين الدم الوطني في اوراقه… وان قلت هي الفراشة اختي الصغرى على باب الحدقيقة .. حركوا المعنى بملعقة الحساء … وان قلت الام ام حين تثكل طفلها تذوي وتيبس كالعصى .. قالوا تزغرد في جنازته وترقص فالجنازتة عرسه ..
يغتالني النقاد احيانا وانجوا من قراءتهم واشكرهم على سوء التفاهم ثم ابحث عن قصتي الجديدة
وللكلمة بقية..
هذا مجرد رئيس الدائرة، لو كان رئيس الدولة ماذا كان سيحدث؟؟!!!!!!!
قاتلنا الله ورمتنا ألف داهية
جميل ، الكثير من الاسئلة تدور في ذهن القاريء بعد الانتهاء من القراءة