- 2011/10/23
- قصة
- الزيارات: 3٬172
- أضف تعليقا
العودة الى زمن البداية
لا تفكر الآن في شيء، لأنه إن حصل التفكير، ستصبح أحمقا، يتكهن بماض ليس له، دع الحياة تأتي كما أرادت، ألا يقولون بأن القدر مكتوب في لوح محفوظ؟ إذن دعه وشأنه، هو الحاكم، وأنت المنفذ؛ وقفت أمام المسجد الذي كنت أصلي فيه، في ذلك الزمان، من قال بأني سأغادر المكان، والزمان إلى لا مكان، ولا زمان، وأنا على نظرتي هذه، أتذكر عدد الركعات، والسجود التي أديتها هنا، صورة تمر أمامي، وأقول لنفسي انظر جيدا، وأعد النظر، فإن النظر نظرات، وقل إنك غريب في مدينتك، سقطت دموعي، من دون أن أشعر بها، هل لأن الحنين إلى الماضي يناديني، أم أنها أرادت السقوط، لتبرهن أنها تريد العودة إلى كما قبل هذا الزمان؟ أصغي إليها، وهي تحدثني، وتقول لي: عش الآن، وابتسم قبل أن يغدر بك الزمان مرة أخرى، وتصبح من النادمين، قلت لها: نعم سأكون من هذه اللحظة رسول الضحك.
المكان المحطة، الزمان الواحدة زوالا، الهدف الخروج من الظلمات إلى النور. نحن الآن في مدينة، هي المهد الذي ولدت فيها، قبل أن أغادر عن طواعية، لم يرغمني أحد على فعل ذلك، لأني كنت أحلم بالهدوء، والتأمل في الطبيعة الخضراء، دون كلل أو ملل، كنت أحب أن أعيش حياة الغربيين عند تقاعدهم من العمل، وذلك ما كان، لا أريد أن أحكي قصتي لأنها لا تستحق أن تروى، وأنا جالس الآن، وأخاطب نفسي سائلا إياها: ما الذي سأكتبه؟ لأنه ببساطة لا يوجد ما يكتب! أأكتب عن شاب كان طفلا يائسا من حياته، قبل أن يعرف معناها، أم إنسان يريد أن يغادرها في أقرب الآجيال، أم إنسان يسير سير الظل في الطريق؟ لا بد أن أعرف ماذا تخفيه الأيام القادمة لي، سأجن إن لم أعرف، أو سأعيش مثل الأحمق الذي يبحت عن الحقيقة الضائعة بين حشائش الأرض؛ لا ريح جاءت لتأخذها، ولا ماء جلبها إليه لتسير معه إلى الوادي الصامت.
وقفت بجانب الطريق، لأراها، من هي؟ نفسي تكلمني بكل هدوء.
هي معلمتي التي درست عندها، وقفت، وقفت حائرا أمام الزمن، وكيف يفعل بالإنسان، وقفت أعيد الذكريات إلى الوراء، ذلك الماضي البعيد، شعرت بأن الزمان توقف بدون حراك، حتى الذين حولي صاروا من الجماد، ما أجمل أن يقف الكل ليتذكر معك ماضيك، الذي عشته بمفردك، دون هؤلاء، الذين هم معك ينظرون إلى فترة طفولتك، أشعر بالسعادة، وأنا في هذ المكان، هنا وقفت أنا وصديقي “أمين” أشير بأصبعي، نعم هنا المكان، لكن الزمان ليس هو، والناس ليسوا هم، الكل تغير، أنظر إلى المارة، وأمعن النظر، لعلي أرى شخصا من الزمان الغائب، ولكن يخيب أملي في الحياة، وأنشد مقاله الشاعر “تعب كلها الحياة”. صدقت، التعب، الرحيل، والنشاط، لنكتب تاريخا لإنسان يشبه الإنسان، تاريخا يحكي للآخرين بدون ألم.
فوق هذه الأرض يحيى أناس يتألمون مثلنا بأسماء أخرى، دون أن نعرفهم.
حينما تغادر مدينتك إلى مدينة أخرى، حتما ستتعلم كيف تنظر في السماء، لترى النجم، والقمر، الشمس، لتعرف بأن الكون سنته عدم الثبات، الحركة اللامنتهية، الدائمة في الأزل، عجيبة هي الحياة، والعجيب فيها، الإنسان الذي لا يستطيع أن يصبر على فراق الأحبة لأمتار قليلة، صراحة صراحة عندما تغادرهم وتعيش بعيدا عنهم، تحس بأنك مهاجر في بلادك، الكل ينام في جنح الليل، لكن لا أحد يستيقظ على وقع حلم ذكره بأصدقائه الذي دفنهم النسيان في ذاكرة ضيقة لا تحمل إلا آثار ما بعد الذاكرة.
في الصباح أفتح النافذة، وأجد الكل نائما، ناموا، وقولوا الحمد لله الذي هدانا لهذا، فلولاه ما كنا لننام، ليل مظلم، ونهار أشبه بالليل مع غياب ضوء النجوم، ونباح الكلاب.
كلما فتحت كتابي تذكرت الأيام السوداء التي عشتها في الماضي، وأبتسم؛ كم كنت أحمقا، لأني كنت أريد أن أعانق جناح الطير الذي كان في بيتنا، كنت آنذاك قصير القامة لا أستطيع أن ألمسه بيدي، فكنت أتمنى لو كنت طويل القامة للمسته، لكي أسمع من نغماته التي كانت تطربني.
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.